73f461d12123f7e7fbbbfe490b50d4f2

ليلة "الجوهرة" التي ارتجفت في جدة: سقوط "الراقي" أمام "السماوي" في صراع القارات

author image

مقدمة

شهدت مدينة جدة ليلة كروية استثنائية على أرض ملعب "الجوهرة المشعة"، لم تكن مجرد مباراة عادية، بل كانت صدامًا كرويًا قاريًا ينتظره الملايين. في هذه الأمسية، تلاقى فريقان يمثلان قمتي الكرة في قارتي آسيا وأفريقيا: النادي الأهلي السعودي، بطل دوري أبطال آسيا للنخبة، ونادي بيراميدز المصري، حامل لقب دوري أبطال أفريقيا. كان الرهان كبيرًا جدًا، يتجاوز حدود اللقب القاري الجديد، كأس القارات الثلاث (كأس إنتركونتيننتال)، ليلامس كبرياء الهيمنة الكروية القارية، بالإضافة إلى جائزة مالية مجزية قدرها مليونا دولار للوصول إلى المرحلة التالية من البطولة العالمية.  

دخل الأهلي السعودي المباراة مدعومًا بجماهيره الغفيرة التي ملأت المدرجات، والتي كانت تحلم بالتتويج بلقب عالمي على أرضها وبين جماهيرها. كانت الأجواء حماسية وتنبئ بملحمة كروية، إلا أن الواقع كان له رأي آخر. انتهت المباراة بنتيجة مفاجئة وصادمة للجمهور الأهلاوي، حيث خسر "الراقي" بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد أمام فريق "السماوي"، لتتبخر الأحلام في ليلة باردة على أرض "الجوهرة". هذا التقرير التفصيلي يحلل كافة جوانب هذا اللقاء التاريخي، من سياقه الاستثنائي إلى صراع العقول على الخطوط، مرورًا بأحداث المباراة التي قلبت الموازين، وصولًا إلى ردود الفعل التي تبعتها.   

سياق الصدام التاريخي: "الراقي" ضد "السماوي" لأول مرة

لم تكن هذه المواجهة مجرد لقاء عابر، بل كانت حدثاً فريداً من نوعه يحمل أبعاداً تاريخية. جرت المباراة ضمن إطار بطولة مستحدثة من الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA)، تُعرف بكأس إنتركونتيننتال، والتي تجمع أبطال القارات المختلفة. وصل النادي الأهلي السعودي إلى هذه المرحلة كبطل متوج لدوري أبطال آسيا للنخبة، بينما صعد بيراميدز المصري بصفته بطلًا لدوري أبطال أفريقيا، بعد أن حقق فوزًا مقنعًا بثلاثية نظيفة على أوكلاند سيتي النيوزيلندي، بطل أوقيانوسيا، في الدور التمهيدي.  

 من الأهمية بمكان التأكيد على أن هذه المباراة تعد أول لقاء رسمي على الإطلاق بين النادي الأهلي السعودي ونادي بيراميدز المصري. هذه المعلومة الأساسية تضع حدًا لبعض المعلومات المغلوطة التي انتشرت في الأوساط الإعلامية، والتي تذكر وجود تاريخ طويل من المواجهات بين الفريقين يصل إلى 16 أو 24 لقاء. هذا اللبس يعود إلى الخلط بين النادي الأهلي السعودي وشقيقه النادي الأهلي المصري، الذي يمتلك بالفعل تاريخًا طويلًا من المواجهات مع بيراميدز ضمن منافسات الدوري المصري وكأس مصر. 

صراع العقول على الخطوط: خطة "يايسله" المأزومة وتكتيك "يورتشيتش" الذكي

كانت المواجهة على أرض الملعب انعكاسًا لصراع فكري وتكتيكي بين المدربين. الألماني ماتياس يايسله، مدرب الأهلي، دخل المباراة بطموح كبير لتحقيق لقب قاري جديد. كان يايسله يدرك جيدًا أن فريقه عانى من تراجع الأداء في الشوط الأول من مباريات سابقة، وتحديدًا أمام ناساف الأوزبكي والهلال، وكان يهدف إلى تفادي هذه الأخطاء في هذا اللقاء المصيري. اعتمد المدرب على تشكيلة قوية ضمت أبرز نجوم الفريق مثل إدوارد ميندي في حراسة المرمى، وخط الوسط المتكامل بقيادة فرانك كيسي، وفي الهجوم قوة هائلة متمثلة في رياض محرز وإيفان توني.   

على الجانب الآخر، أظهر الكرواتي كرونسلاف يورتشيتش، مدرب بيراميدز، براعة تكتيكية لافتة. كان يورتشيتش وفريقه على دراية تامة بنقاط القوة في هجوم الأهلي، لكنه وضع خطة محكمة للتعامل معها. الأهم من ذلك، أن بيراميدز استخدم ما يمكن وصفه بـ "التخدير الإعلامي"، حيث تم تسريب قائمة إصابات مزعومة بهدف دفع الأهلي للاستهانة بالمباراة. هذا التكتيك النفسي كان جزءًا من خطة أكبر تعتمد على التحولات الهجومية السريعة واستغلال الكرات العرضية، والتي كان المحلل الرياضي سلطان اللحياني قد حذر منها مسبقًا باعتبارها نقطة ضعف قد تؤرق دفاع الأهلي.   

بعد المباراة، كشفت تصريحات يايسله بنفسه عن مدى نجاح خطة بيراميدز. فقد أشار المدرب الألماني إلى أن الأهداف التي سكنت شباكه جاءت من "كرات طولية" و "أخطاء للمدافعين" لم تكن متوقعة، مؤكداً أن بيراميدز استحق الفوز. هذا التسلسل يوضح أن الأهلي، رغم استباقية مدربه في تحليل الأخطاء السابقة، قد وقع في الفخ الذي نصبه يورتشيتش. فالتركيز على نقاط الضعف الدفاعية في الأهلي، مثل عدم القدرة على التعامل مع الكرات الطويلة والأخطاء الفردية القاتلة، سمح لبيراميدز بتحقيق الانتصار، مما أظهر أن التخطيط الذكي والتنفيذ الدقيق يتغلبان أحيانًا على الفوارق الفنية الكبيرة.   

مسرحية من شوطين: من التعادل الحذر إلى الانهيار المفاجئ

بدأت المباراة بهدوء حذر، حيث حاول كل فريق جس نبض الآخر، لكن سرعان ما اشتعلت الأجواء. في الدقيقة 21، نجح فيستون ماييلي في افتتاح التسجيل لصالح بيراميدز، بعدما استقبل تمريرة متقنة بين المدافعين، وسدد بقوة في الزاوية اليمنى لمرمى الحارس إدوارد ميندي. هذا الهدف كشف عن أولى الثغرات في الخط الخلفي للأهلي. بعد هذا الهدف، ضغط الأهلي بقوة بحثًا عن التعديل، وشن عدة هجمات خطيرة أظهرت قوة خطه الأمامي. هذا الضغط أثمر عن ركلة جزاء في الدقيقة 45، بعد عرقلة واضحة تعرض لها إيفان توني داخل منطقة الجزاء. انبرى توني لتسديد الركلة بنجاح، مسجلاً هدف التعادل للأهلي قبل نهاية الشوط الأول بلحظات، ليذهب الفريقان إلى غرف الملابس والنتيجة 1-1.   

في الشوط الثاني، كانت البداية هادئة نسبيًا، لكن الهدوء كان يسبق عاصفة. في الدقيقة 65، سجل ماييلي هدفًا ثانيًا لبيراميدز، لكن الحكم ألغاه بداعي التسلل. هذا الهدف الملغي كان بمثابة "جرس إنذار" قوي كان على الأهلي أن يستفيد منه لإعادة ترتيب أوراقه الدفاعية، خاصة بعد أن كان المدرب يايسله قد حذر من انهيار الفريق في الشوط الثاني. ولكن، بدلاً من ذلك، بدا الفريق الأهلاوي فاقدًا للتركيز الذهني والتماسك الدفاعي. فبعد ست دقائق فقط من الهدف الملغي، عاد ماييلي ليسجل هدفًا ثانيًا في الدقيقة 71، بعد أن حول عرضية متقنة من زميله زلاكة إلى الشباك. ولم يكد الأهلي يستفيق من الصدمة، حتى عاد ماييلي ليسجل هدفًا ثالثًا وتاريخيًا في الدقيقة 75، حيث سدد بقوة كرة عرضية اصطدمت بالقائم الأيمن وسكنت الشباك. هذا الانهيار الدفاعي السريع والمفاجئ أظهر أن الفريق لم ينجح في استغلال فرصة الهدف الملغي لإعادة التنظيم، مما سمح لبيراميدز بحسم المباراة بثلاثية نظيفة بعد التعادل.   

"ماييلي".. "الجزار" بطل الليلة ونجم "الصفعة" الأهلاوية

كان الكونغولي فيستون ماييلي هو البطل المطلق لهذا اللقاء، حيث استحق بجدارة لقب "رجل المباراة". لم يكن أداؤه مجرد تألق فردي، بل كان انعكاسًا لفعالية هجومية استثنائية. سجل ماييلي ثلاثية تاريخية (هاتريك) في شباك الأهلي، مستغلاً كل فرصة سنحت له ببراعة فائقة. لقد أظهر قدرة فذة على إنهاء الهجمات واستغلال المساحات التي ظهرت في دفاع الأهلي.   

وعلى النقيض تمامًا، كان أداء نجوم "الراقي" مخيبًا للآمال. فبينما كان الجميع يعقد آمالاً كبيرة على أسماء عالمية مثل رياض محرز، إيفان توني، وفرانك كيسي، إلا أنهم فشلوا في ترك بصمة حقيقية على مجريات اللقاء. لم يظهروا بالمستوى المتوقع منهم، مما أثر بشكل كبير على فعالية الفريق الهجومية. إن الأداء الفردي الاستثنائي لماييلي لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة طبيعية للخلل الجماعي في دفاع الأهلي، والذي فشل في التعامل مع الكرات البسيطة، مما سهل مهمة المهاجم. هذا يؤكد أن هاتريك ماييلي لم يكن إعجازاً فردياً بقدر ما كان استثماراً ذكياً للأخطاء القاتلة في صفوف الخصم.   

ما بعد الخسارة: صدمة "الجوهرة" وردود فعل غاضبة

كانت الخسارة بمثابة صدمة حقيقية للجماهير الأهلاوية التي كانت تملأ المدرجات بثقة كبيرة في فوز فريقها. هذه الثقة الزائدة جعلت وقع الهزيمة أشد قسوة وأكثر إيلاماً. الشعور بالصدمة كان واضحاً على محيا المدرب ماتياس يايسله الذي قدم اعتذاراً مباشراً للجماهير، معترفاً بأن فريقه ارتكب "أخطاء قاتلة" لا يمكن أن تحدث في مباراة نهائية بهذه الأهمية. وقد أكد المدرب الألماني في المؤتمر الصحفي أن بيراميدز استحق الفوز، وأن الأخطاء الدفاعية الفردية هي السبب الرئيسي في الهزيمة. هذه التصريحات العاطفية التي تحمل مسؤولية الهزيمة تعكس وعي المدرب بمدى أهمية هذا اللقب لجماهير الأهلي.


وفي المقابل، جاءت تصريحات مدرب بيراميدز، كرونسلاف يورتشيتش، لتؤكد على الفخر والسعادة باللقب الأول للفريق على المستوى الدولي. أعرب يورتشيتش عن سعادته بفوز فريقه، مؤكداً أنهم قدموا مباراة "مذهلة"، رغم تخوفه من اللعب أمام هذه الأعداد الغفيرة من الجماهير في ملعب الجوهرة. وقد عبر عن إحباطه لعدم وجود صحفيين مصريين في المؤتمر الصحفي، معتبراً أن هذا اللقب تاريخي ويستحق اهتمامًا أكبر. هذا التباين في ردود الفعل بين المدربين، من اعتذار يايسله إلى فخر يورتشيتش، يؤكد أن المواجهة لم تكن مجرد لقاء رياضي، بل كانت اختبارًا نفسيًا حاسمًا كشف عن الدوافع والآثار المعنوية للنتيجة.   

الخاتمة: "صفعة" كروية ونقطة تحول للموسم

يمكن تلخيص أسباب نتيجة المباراة في عدة نقاط أساسية: تفوق تكتيكي واضح لبيراميدز، وفعالية هجومية قاتلة من نجمه فيستون ماييلي، في مقابل انهيار دفاعي وأخطاء فردية قاتلة من جانب النادي الأهلي السعودي. لم يكن الأداء الفردي لنجوم الأهلي على قدر المسؤولية، مما ترك فراغًا كبيرًا في الملعب لم ينجح الفريق في ملئه.   

تعد هذه الخسارة "صفعة" قوية ودرسًا قاسيًا للنادي الأهلي السعودي، خاصة وأنها جاءت أمام جماهيره وعلى أرضه. يجب على المدرب ماتياس يايسله ولاعبيه أن يستفيدوا من هذا الدرس، وأن يحللوا الأخطاء الدفاعية التي تكررت، وأن يعملوا على إعادة بناء الثقة والجاهزية الذهنية التي يبدو أنها اهتزت في هذا اللقاء. قد تكون هذه الخسارة نقطة تحول سلبية تؤثر على بقية الموسم، ما لم يتم تداركها ومعالجة أخطائها بشكل سريع وجذري.

على الجانب الآخر، يمثل هذا اللقب إنجازًا تاريخيًا لنادي بيراميدز، ويؤكد على صعوده كقوة كروية لا يستهان بها، ليس فقط على المستوى المحلي في مصر، بل على الصعيد القاري والدولي. هذا الفوز يمنح الفريق دفعة معنوية هائلة للمضي قدمًا في مسيرته الطموحة.

في النهاية، هذه هي كرة القدم، حيث لا يوجد مستحيل، وحيث الدروس القاسية هي التي تصنع الأبطال. هذه المباراة كانت مجرد فصل في قصة كروية طويلة، والأيام القادمة ستحمل الإجابة الحاسمة: هل كانت هذه "الصفعة" مجرد كبوة عابرة يستعيد منها الأهلي قوته، أم أنها بداية لسقوط مدوٍ يغير من مسار موسمه بشكل كامل؟